ما هي أهمية الاستعارة في البلاغة العربية؟
تعدُّ الاستعارة في البلاغة العربية من أروع فنونها، فهي تمثِّل روح البيان وجوهر الجمال في التعبير اللغوي، وهي تعدُّ أداةً فكرية للتعبير عن المشاعر ونقل الأفكار وتحوّل الكلمات المعاني المجردة إلى محسوسة تنبض بالحياة، كما تمنح المتكلم قدرةً على الإيحاء والتصوير والإبداع، فتجعل الكلام أعمق تأثيرًا وأوسع دلالةً.
وفي هذا المقال سنتعرف على الاستعارة في البلاغة، وتعريفها وأنواعها وأهميتها، مع ذكر أمثلة من القرآن الكريم والشعر العربي.
تعريف الاستعارة في علم البيان
الاستعارة في البلاغة هي أحد أقسام علم البيان، وذلك إلى جانب التشبيه والكناية والمجاز، وهي في جوهرها تشبيه حُذف أحد طرفيه الأساسيين، وتعريفها الاصطلاحي هو استعمال اللفظ في غير ما وُضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، مع قرينة تمنع من إرادة المعنى الحقيقي، ويمكن أن نقول أنَّها نقل معنى اللفظ من دالته الأصلية لدلالة جديدة تشترك معها في الصفة من أجل إنشاء صورة لغوية مبدعة.
ويمكن أن نشرح ذلك من خلال المثال: ضحكت لي الأيام، فالضحك من صفات الإنسان، وقد أُسند إلى الأيام لأمّ القائل رأى فيها ما يشبه ابتسامة القدر له، وهذه هي الاستعارة.
ما هي أنواع الاستعارة؟
تقسم الاستعارة بالنظر إلى طرفي التشبيه الأساسيين إلى قسمين، وسنتعرف فيما يأتي على الفرق بين الاستعارة المكنية والتصريحية:
الاستعارة التصريحية
وهي الاستعارة التي حُذف فيها المشبه وصُرِّح بذكر المشبه به، ومثالها: رأيت أسدًا يجول في ساحة المعركة، والأسد هنا ليس الحيوان الذي نعرفه، بل هو الجندي الشجاع، ولكن صُرِّح بذكر المشبه به وهو الأسد، وحُذف المشبه وهو الرجل، ولهذا فهي استعارة تصريحية.
الاستعارة المكنية
وهي عكس النوع الآخر حيث تُحذف فيها المشبه به، وكُني عنه بشيء من لوازمه أو بشيء يدل عليه أو يتبعه، مثال ذلك: أُعجبت بعالم يغترف منه الناس؛ وقد شبهنا العالم هنا بالبحر وقد حُذف المشبه به وهو البحر، وذكرنا شيئًا من لوازمه وهو يغترف، فالاعتراف يكون من الماء، فالكلام جاء على سبيل الاستعارة المكنية.
أمثلة على الاستعارة المكنية والتصريحية
تُعد الأمثلة التطبيقية من أجمل ما يوضح جمال الاستعارة، فهي تُبيّن كيف تُحوّل اللغة العادية إلى صور ناطقة، وفيما يأتي أمثلة من القرآن الكريم والشعر العربي:
أمثلة من القرآن الكريم
إنَّ القرآن الكريم هو ذروة البلاغة العربية، وفيه أروع صور الاستعارة التي تجمع بين الإعجاز اللغوي والعمق المعنوي، وفيما يأتي أمثلة مفصلة من القرآن الكريم:
- قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.
استعارة تصريحية وهي في موقعين حيث شبهت الضلالة والضياع والجاهلية بالظلمات، وشبه لهدى والإيمان بالنور، فحذف المشبهات وصرح بالمشبه به. - قال تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}.
استعارة مكنية، فقد شُبِّه الذل بجناح الطائر وحذف المشبه به، وشكر شيئًا من لوازمه وهو جناح على سبيل الاستعارة. - قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
استعارة تصريحية، فقد شبه الدِّين الحق بالطريق المستقيم، فحذف المشبه وهو الدِّين وصرَّح بذكر المشبه به وهو الصراط.
أمثلة من الشعر العربي
يزخر الشعر العربي من الجاهلية حتى اليوم بصور الاستعارة التي منحته سحره الخاص، وفيما يأتي بعض من الأمثلة:
- قال الشاعر: وأقبل يمشي في البساط فما درى إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي
وفي البيت استعارتان تصريحيتان، في البحر وفي البدر، فقد حُذف المشبه منهما وهو سيف الدولة، وصُرح بالمشبه به وهما البحر والبدر. - قال الشاعر: وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
وفي البيت استعارة مكنية، وقد حُذف المشبه به وهو السبع، وذُكر شيء من لوازمه وهو الأظفار. - قال الشاعر: وصاعقةٍ في كفه ينكفي بها على أرؤس الأعداء خمس سحائب
وهنا استعارتان تصريحيتان، في صاعقة وسحائب، فكأنما شبه الشيف أو نصله بالصاعقة لتشابههما في إيقاع الأذى على ما ينزلان عليه، وحذف المشبه وصرح بالمشبه به.
وأيضًا شبه أصابع الممدوح بالسحائب للتشابه معها في الجود والخير، فحذف المشبه وصرح بذكر المشبه به.
تعرف على الاستعارة عبر تمكين العربية
يحرص تطبيق تمكين العربية من ألف بي على إحياء البلاغة العربية وتبسيطها على المتعلِّم والمعلِّم معًا، وذلك من خلال أدواتها التفاعلية ودروسها المميزة التي تقدِّمها، ولاسيما درس الاستعارة في البلاغة العربية، ويساعدك تمكين على فهم الدرس من خلال شروح مبسطة وأمثلة كم الحياة اليومية من أجل تقريب الفكرة وتوضيحها، كما تستخدم تمكين العربية نماذج لغوية لتحليل النصوص الأدبية واستخراج صور الاستعارة منها، ممَّا يُعين الطلاب على التذوق الأدبي السليم، لذلك أصبح التطبيق أكثر متعةً وتفاعلًا، ولم يقتصر على الدروس النظرية الجافة.
ختاما
إن الاستعارة في البلاغة العربية ليست مجرد زخرف لغوي، بل هي روح البيان العربي، التي تُعطي اللغة قدرتها على التصوير والتأثير والإيحاء، ومن خلال الاستعارة، يصبح الكلام فنًّا، وتتحول الجملة إلى لوحة من الألوان والمعاني، تجمع بين العقل والعاطفة، والفكر والخيال، لذلك لا تتردد وافتح تمكين لتتعلَّم كل شيٍ عن الاستعارة.








